كانت بداية التدوين والتصنيف في زمن التابعين، وكان أول من صنف في الإسلام ابن جريج، وقيل: مالك بن أنس للموطأ، وقيل: الربيع بن صبيح.
ثم جاء البخاري ومسلم والدارمي وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد، فكان لكل منهم طريقةً ومنهجاً في جمع السنة وتصنيفها.
فمن المصنفين من قصرت همته على تدوين الحديث مطلقا؛ ليحفظ لفظه ويستنبط منه الحكم، كما فعل الإمام أبو داود الطيالسي وعبد الله بن موسى الضبي وغيرهما.
ومنهم من أثبت الأحاديث في مسانيد رواتها، فيذكر مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويثبت فيه كل ما رواه عنه، ثم يذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهكذا واحدا بعد واحد، كما فعل الإمامان أحمد بن حنبل والحميدي وغيرهما.
ومنهم من يُثبت الأحاديث في الأماكن التي هي دليل عليها، فيجمع الأحاديث تحت الأبواب، فإن كان الحديث في معنى الطهارة ذكره في باب الطهارة، وإن كان في معنى الصلاة ذكره في باب الصلاة، كما فعل الإمام مالك في الموطأ، واقتدى به من بعده كالبخاري ومسلم، وكذا أصحاب السنن كأبي داود والترمذي وغيرهما.
ومنهم من استخرج الأحاديث التي تتضمن ألفاظا لغوية ومعاني مشكلة، فوضع لها كتابا قصره على ذكر متن الحديث وشرح غريبه وإعرابه، ولم يتعرض لذكر الأحكام، كما فعل الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام، ومحمد بن قتيبة.
ومنهم من ذكر الأحكام وآراء الفقهاء، كما فعل الإمام الخطابي في معالم السنن، ومنهم من قصد ذكر الغريب دون متن الحديث، كما فعل الإمام أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي وغيره.
ومنهم من قصد استخراج أحاديث تتضمن الترغيب والترهيب، وأحاديث تتضمن أحكاما شرعية، فدوّنها وفق ترتيب معين، كما فعل أبو محمد البغوي في المصابيح.
المقصود بمناهج المحدثين:
يقصد بمناهج المحدثين: الطرق التي سلكها الأئمة المحدثون في رواية الأحاديث، والتعليق عليها، وتصنيفها، بحسب شروط معينة، أو بمعنى آخر: أصولهم في نقدهم الرواة ومروياتهم، واصطلاحاتهم في فنهم، وشروطهم في تصنيف كتبهم، ومواردهم فيها، وكل ما يتعلق بهذه المسائل.
أنواع مناهج المحدثين:
يمكن تقسيم مناهج المحدثين باعتبارات متعددة، منها:
1- العموم والخصوص:
حيث توجد مناهج عامة اتبعها جميع المحدثين في الرواية والتحمل والكتابة ونحو ذلك، ومناهج خاصة تتعلق بشروط كل إمام في الأسانيد والمتون التي أوردها في مصنفه.
2- التقدم والتأخر:
حيث اعتمد الأئمة المتقدمون أسلوبا وطريقة تناسب قِصَر أسانيدهم وزيادة ضبطهم، وسار الأئمة المتأخرون على منهاج مغاير لذلك، يتوافق مع طول الأسانيد وقلة الضبط ونحو ذلك.
3- التشدد والتساهل:
لم يتفق الأئمة المحدثون على منهج واحد في التصنيف أو في الحكم على الرجال بالضبط أو العدالة وغير ذلك، وإنما تنوعت مناهجهم وتباينت، وعندما تمت المقارنة بين كتبهم وأحكامهم على الرجال وجدنا منهم المتشدد والمعتدل والمتساهل.
فوائد معرفة مناهج المحدثين:
1- الوقوف على طريقة اختيار الأحاديث وترتيبها بالنسبة إلى بعضها، حيث يفيدنا ذلك في معرفة الناسخ من المنسوخ، والراجح من المرجوح، وطرق الجمع بين الأحاديث المختلفة، وشرح الغريب، وذلك بمقارنة الروايات ببعضها، وتمييز المدرج في الحديث من نص الحديث.
2- التعرف على شروط الأئمة أصحاب المصنفات، وتمييز المعتدل من المتشدد والمتساهل منهم، فما يصححه ابن حبان قد لا يصححه البخاري، وما يصححه الحاكم قد لا يوافقه على تصحيحه الذهبي أو غيره.
3- معرفة الطرق التي تم بها تحمُّل كل حديث وأداؤه، سماعا أو عرضا أو إجازة أو وجادة أو غير ذلك من طرق التحمل والأداء، وذلك يفيد في معرفة المتصل والمنقطع ونحو ذلك.
4- معرفة مكانة ومنزلة أصحاب المصنفات، والوقوف على ما بذلوه من جهد في رواية الحديث ونقده.
5- معرفة طرق التصنيف، حيث يفيد ذلك في معرفة طرق تخريج الأحاديث، كما أن معرفة مناهج المحدثين في تدوين الحديث وضبطه يفيدنا كثيرا في تحقيق المخطوطات الحديثية.
6- تنمية الفكر العلمي والمنهجي، وصقل مهارة البحث، وإيجاد روح الإبداع والرغبة في التطوير وفق أسس علمية مدروسة ومناهج دقيقة.
وسنحاول أن نعرض إن شاء الله لبعض مناهجهم من خلال هذه الاعتبارات بشيء من التفصيل والبيان، والله الموفق وعليه التكلان.
المصدر: موقع إسلام ويب